الاثنين، 5 أغسطس 2013

 التدوينة الستون



كان من آخر ما يقول النبي صلى الله عليه وسلم بين التشهد والتسليم : (( اللهم اغفر لي ما قدمت، وما أخرت، وما أسررت،  وما أعلنت، وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني. أنت المقدم، وأنت المؤخر. لا إله إلا أنت))  .

المقدم والمؤخر هما من الأسماء المزدوجة المتقابلة التي لا يطلق واحد بمفرده على الله إلا مقروناً بالآخر، فإن الكمال من اجتماعهما، فهو تعالى المقدم لمن شاء والمؤخر لمن شاء بحكمته.
وهذا التقديم يكون كونياً كتقديم بعض المخلوقات على بعض وتأخير بعضها على بعض، وكتقديم الأسباب على مسبباتها والشروط على مشروطاتها. وأنواع التقديم والتأخير في الخلق والتقدير بحر لا ساحل له.
ويكون شرعياً كما فضل الأنبياء على الخلق وفضل بعضهم على بعض، وفضل بعض عباده على بعض، وقدمهم في العلم، والإيمان، والعمل، والأخلاق، وسائر الأوصاف، وأخَّر من أخَّر منهم بشيء من ذلك وكل هذا تبع لحكمته.

وهذان الوصفان وما أشبههما من الصفات الذاتية لكونهما قائمين بالله والله متصف بهما، ومن صفات الأفعال لأن التقديم والتأخير متعلق بالمخلوقات ذواتها، وأفعالها، ومعانيها، وأوصافها، وهي ناشئة عن إرادة الله وقدرته. وإن صفات الذات متعلقة بالذات، وصفات أفعاله متصفة بها الذات ومتعلقة بما ينشأ عنها من الأقوال والأفعال. 


واعلم أن صفات الأفعال كلها متعلقة وصادرة عن هذه الصفات الثلاث: القدرة الكاملة، والمشيئة النافذة، والحكمة الشاملة التامة. وهي كلها قائمة بالله، والله متصف بها، وآثارها ومقتضياتها جميع ما يصدر عنها في الكون كله من التقديم والتأخير، والنفع والضر، والعطاء والحرمان، والخفض والرفع، لا فرق بين محسوسها ومعقولها، ولا بين دينيها ودنيويها. فهذا معنى كونها أوصاف أفعال لا كما ظنه أهل الكلام الباطل.